المحور الأول: كيف نقرأ النكبة الفلسطينية؟ الديموغرافيا، الجغرافيا والهيستوغرافيا.
أدارت الندوة عرين هواري وشارك فيها كل من د. هالة خوري بشارات، قانونية في قضية اللاجئين، ود. جوني منصور، والنائب د. جمال زحالقة، والمحامي محمد ميعاري، وبروفيسور نديم روحانا..
كانت المداخلة الأولى لـ د. هالة خوري بشارات بعنوان "قانونية قضية اللاجئين". تناولت بعد حق العودة بمنظور القانون الدولي. وحذرت د. بشارات في مداخلتها من الالتباس الذي قد يحصل لدى طرح حق تقرير المصير وحق العودة، مشيرة إلى أن حق العودة هو حق شخصي ومضمون في ميثاق الإعلان الدولي لحقوق الإنسان لعام 1948 وفي قرار 194 الذي صدر في نفس العام، بينما حق تقرير المصير هو حق جماعي. ونوهت بشارات إلى أن اللاجئين الفلسطينيين بمعظمهم بدون جنسية في البلاد التي لجئوا إليها(باستثناء الأردن) ولكن حسب التعريف الدولي فإن اللاجئ كل من لا يتمكن من العودة إلى دياره حتى لو حمل جنسية أخرى، أي أن حصول اللاجئ على جنسية بلد ما لا يسقط حقه بالعودة إلى وطنه.
المداخلة الثانية كانت لـ د. جوني منصور بعنوان "تأثير النكبة على حياة الناس مباشرة بعد حصولها". وقال د. منصور إن الفلسطينيين الذين عايشوا النكبة شعروا بأن النكبة أكبر من قدرتهم على استيعابها، وأن الهم كان حينذاك النجاة من الموت ومن ثم توفير لقمة العيش بعد أن فقد اللاجئون كل شيء. وأضاف منصور: "وكانت الأيام أو الأسابيع الأولى بعد النكبة مشبعة بالوجوم وعدم القدرة على تصديق ورفض قبول فكرة أنهم لن يعودوا، بل اعتقدوا في أعماقهم أن عودتهم ستكون قريبة، ولكن مرور الأيام والشهور ثم السنين أبعدت لفترة ما عن مخيلتهم وواقعهم الحياتي فرصة التفكير بالعودة القريبة. ولما أخذت صورة الموقف تتضح شيئا فشيئا بدأت عوامل الدهشة بالزوال رويدا رويدا وشرع اللاجئون في المخيمات في تقبل الوضع الذي وجدوا انفسهم واقعين فيه، ولكن لم يجرؤ كثيرون منهم على الحديث عن النكبة. وهنا كانت النكبة ذات اثر مباشر وآني على شرائح واسعة من الشعب الفلسطيني بمن فيهم الذين بقوا في فلسطين، وأعني هنا "عار أو عيب الكلام عن هذا الموضوع". وكان هذا يعني عيب الكلام عن موضوع خسرنا فيه أوطاننا وأملاكنا وحتى وجودنا الجسدي في أرضنا، وما لنا من ممتلكات فيها إلا أن جيل الشباب بدأ يتحدث عن النكبة ومع مرور الأيام أدرك الفلسطينيون أنهم بحاجة إلى الحديث عن النكبة من أجل نقل الحدث وتفاصيله إلى الأجيال الشابة والتي بدورها ستقوم بنقل ذلك إلى الأجيال المستقبلية لتبقى النكبة والمأساة فعالة ونشطة في جوف الذاكرة الفلسطينية".
وقدم د. جمال زحالقة مداخلة بعنوان: "قراءة في الوعي التاريخي والذاكرة التاريخية". واستهل مداخلته بالقول إن النكبة هي أهم حدث في تاريخ الشعب الفلسطيني ومحور وعيه وذاكرته التاريخية. وأكد زحالقة على ضرورة إجراء قراءة عقلانية تعتمد التحليل العلمي، وإلى ضرورة التعامل مع الحقائق بصراحة حتى لو كانت جارحة. وقارن زحالقة في سياق قراءة أسباب حدوث النكبة؛ بين "الييشوف" الصهيوني الصغير الذي كان منظما وبين الحالة الفلسطينية التي تميزت بالفوضى والتبعثر والتناحرات الداخلية. وحذر زحالقة من أن أسباب النكبة ما زالت قائمة في يومنا هذا. وقال: "ليس فقط أننا نعيش حتى اليوم واقع النكبة بل أيضا نتعايش مع الأسباب التي أدت إلى النكبة". ولفت إلى انه بالرغم من كون النكبة هي العامل الذي فرق الشعب الفلسطيني إلا أنها في نفس الوقت الركيزة الرئيسية للذاكرة التاريخية التي توحده والمحفز الاخلاقي والسياسي والوطني الذي يدفع ويحرك الفلسطينيين باتجاه تصحيح الغبن التاريخي. وأنهى زحالقة مداخلته بالقول: "علينا أن نخوض بلا هوادة المعركة على الماضي، ولا يمكن أن ننتصر في معركة المستقبل ما لم ننتصر في المعركة على الماضي من خلال الإثبات للعالم أن الشعب الفلسطيني تعرض لغبن تاريخي".
بدوره قدم المحامي محمد ميعاري، مداخلة بعنوان "توظيف القانون والقضاء في تهجير وسلب الأرض ". وعدد ميعاري أربعة أساليب انتهجتها الحركة الصهيونية للاستيلاء على الأرض: الشراء بالسمسرة، التعاون مع السلطة القائمة(الانتداب)، الاحتلال بالقوة، واستعمال القانون. وركز ميعاري على النقطة الأخيرة معتمدا على وثيقتين من الإرشيف الصهيوني حول استخدام الجهاز القضائي والقانوني من أجل سلب الأرض. الوثيقة الأولى تتعلق بقانون أملاك الغائبين. ويقول ميعاري إن في السنوات الأولى لقيام إسرائيل شكلت لجنة لتحديد من هو الغائب، وكان أحد أعضائها وزير الأقليات في الحكومة المؤقتة، باخور شطريت. وحسب الوثيقة تساءل شطريت في إحدى الجلسات: كيف يمكن أن نعتبر مواطنا في إسرائيل "غائبا"، وقررت اللجنة أن المواطن في إسرائيل لا يمكنه أن يحتسب غائبا. إلا أن موشي شاريت وزير الخارجية في حينه اعترض على قرار اللجنة، وقال: " عندما قمنا باحتلال الناصرة وجدنا مهجرين من قرية معلول فهل نعيد لهم أرضهم. وغدا سنحتل نابلس وهناك أعداد كبيرة من الذين هجرناهم من قراهم فهل نعيد لهم أرضهم". فأبطل قرار اللجنة واعتبر الغائب كل من غادر فلسطين إلى الدول المجاورة أو ترك قريته وانتقل إلى قرية أخرى داخل فلسطين، واعتبر غائب حتى لو كان مواطنا. وقال ميعاري إن هذا القانون وهذا التعريف هو أغرب تعريف قانوني في العالم.
الوثيقة الثانية التي تحدث عنها ميعاري تتعلق بقانون «المتسللين» ويقول: في السنوات الأولى لقيام إسرائيل كان هناك قاض في المحكمةالعليا يدعا إلشان، وكان نائبا لرئيس المحكمة، وكان ينظر في طلبات الفلسطينيين للحصول على بطاقة هوية حيث كان يتعين على من ليس بحوزته بطاقة هوية التوجه بطلب للمحكمة العليا. ويضيف ميعاري أن هذا القاضي كان يدرس الطلبات مع رجال المخابرات قبل الجلسة ويقررون بدورهم أي الطلبات تقبل وأيها ترفض. مشيرا إلى أن الموافقة كانت في كثير من الأحياء مرتبطة بعوامل مختلفة كالعمالة أو تقديم الخدمات أو بوساطة رجال السلطة والعملاء. ويقول ميعاري إنه من السخرية أن هذا القاضي كان يدير جلسة عادية ويبحث الطلبات بشكل يبدو عاديا بالرغم من أن القرارات جاهزة من قبل الجلسة. وانهى ميعاري مداخلته بالقول: "إن الجهاز القضائي والقانوني عملا ويعملان على تنفيذ سياسة السلطة خصوصا بما يتعلق بالاستيلاء على الأرض".
وقدم البروفيسور نديم روحانا، مدير مركز مدى، مداخلة بعنوان: "بروز وعي النكبة وتغيير الأسس التبريرية لدى المحتلين". وقال بروفيسور روحانا: إن النكبة هي التجربة المشتركة لجميع أجزاء الشعب الفلسطيني، وهي ليست نكبة اللاجئين والمهجرين وحدهم، وإنه ينبغي التعامل معها على أنها نكبة الشعب الفلسطيني برمته. وأشار روحانا إلى أن التشكل السياسي والاجتماعي لدى فلسطينيي الداخل تطور بدون مركز معياري وقيمي بعد نكبة المدينة الفلسطينية وتدمير المراكز الاجتماعية والثقافية. وبالمقابل تطور مركز معياري صهيوني معاد وهجين وغريب عنا وضعنا في حالة من الاغتراب. وشدد روحانا أن النكبة هي جزء من هويتنا ومن تجربتنا الإنسانية والاجتماعية الجماعية. وقال روحانا إن النكبة حدّت من أفاقنا الثقافية والإنسانية وأصبح من الصعب بل من غير الممكن أحيانا التطور بشكل طبيعي على المستوى الإنساني والاجتماعي والثقافي. واعتبر أن الاهتمام بالقضية الفلسطينية ليس موقفا سياسيا فحسب بل هو موقف إنساني إذ لا يمكن للإنسان أن يتطور إنسانيا بدون محيطه وهوائه وشعبه. ولفت روحانا إلى أن ارتباط الفلسطينيين بالقرية هو تعبير عن الاغتراب في الوطن. وتطرق إلى المشاركة الجماهيرية الواسعة في مسيرة العودة الأخيرة مشيرا إلى أن فلسطينيي الداخل بدأوا يشعرون بعد مرحلة طويلة من الصدمة بمدى عمق تجربة النكبة وتأثيرها عليهم.
المحور الثاني: كيف نشخص أثر النكبة
أدار الجلسة المحامي إياد رابي وافتتحها بعدة أسئلة تتعلق برؤية الفلسطينيين للنكبة وجوانبها ومحاولة النظر إليها من زويا مختلفة. وشارك في الندوة كل من: د. خليل نخلة، ود. محمود يزبك، ونظمي الجعبي مدير مؤسسة رواق، ود. إلياس عطا الله.
د.خليل نخلة قدم مداخلة بعنوان: "نكبتنا في فلسطين كيف نضمن عدم تجذيرها في حياتنا". أكد من خلالها على ضرورة فهم وإدراك العوامل التي أدت إلى نكبة 1948، وأطلق على القوى التي ساهمت في حدوث النكبة اسم "وكلاء النكبة" وهم كما عددهم الحركة الصهيونية والقوى العالمية المهيمنة والدول التي تدور في فلكها. وأشار نخلة إلى أن النكبة ما زالت متواصلة بدعم من الولايات المتحدة وأوروبا والأجهزة الأممية(الأمم المتحدة والمجتمع الدولي). ويقول د. نخلة أن وكلاء النكبة لا يسعون لإيجاد حل للقضية الفلسطينية بل لإيجاد حل للمسألة اليهودية وتثبيت كيان يهودي استعماري مستقل في فلسطين ووجود كيان عربي تابع. ويضيف: "الحركة الصهيونية سعت للتسلط على الأرض والحفاظ عليها بملكية حصرية لليهود وإقصاء غير اليهود. ودعا نخلة لوضع استراتيجيه فلسطينية جديدة لتحرير العقل والمكان، واستبدال التفكير الذي يعتمد على التجزئة بتفكير يشمل كل فلسطين. في إشارة إلى طرح الدولة الواحدة بدل الدولتين. ودعا نخلة إلى وقف كافة المفاوضات والاتصالات مع الكيان الصهيوني. والعمل على تفكيك كافة هيكليات النظام العنصري الإقطاعي المهيمن واستبدالها بهيكليات ديمقراطية تضمن عدم التمييز. كما أكد على ضرورة تحديد من هو العدو ومن هو الصديق- معتبرا أن العدو هو كل من يعمل على تجزئة فلسطين.
من جانبه قدم د. محمود يزبك مداخلة بعنوان: إخفاقات في عدالة قضية ونجاحات في مشروع باطل. وتحدث عن عوامل النكبة معتبرا أن الخلافات والتناحرات الفلسطينية الفلسطينية سببا رئيسيا في حدوث النكبة. وتساءل يزبك قائلا: بعد ستين عاما- هل حالنا اليوم أفضل منه عشية النكبة. وأشار إلى الصراعات الداخلية الفلسطينية في ظل تواصل المد الاستيطاني الصهيوني وإلى الشرذمة والانقسامات الفلسطينية، عارجا إلى مشاريع الأسرلة داخل الخط الأخضر. وأشار أيضا إلى ما أسماه "شرذمة الهوية الفلسطينية" والتآكل المستمر في تلك الهوية جراء تلك الانقسامات. وأكد يزبك على ضرورة بلورة مشروع سياسي فلسطيني، وعلى ضرورة أن يحظى على دعم كامل من فلسطينيي أوروبا وأن يعاد إحياء منظمة التحرير الفلسطينية. وقال يزبك إن المشروع الصهيوني نجح نتيجة لوجود رؤيا سياسية شاملة، ولأن المشروع الصهيوني جمع كافة الحركات والأطر الصهيونية تحت لواء واحد وتحت تلك الرؤيا، ولأن الحركة الصهيونية عملت على بناء مؤسسات دولة في مرحلة مبكرة.
مدير مركز مؤسسة رواق في رام الله، نظمي الجعبي، قدم مداخلة بعنوان: النكبة والموروث الثقافي. وقسم الجعبي الموروث الثقافي الفلسطيني لقسمين، المنقول وغير المنقول. وقال إن الموروث الثقافي والتراث المنقول استعيض عنه بالموروث غي المنقول. معتبرا أن الموروث المنقول هو اللباس المطرز والكوفية والأغاني الشعبية وما شابه بينما الموروث غير المنقول هو العمارة والمبنى التاريخي والبيت والمكان والنسيج المعماري. ويقول الجعبي أن التراث الفلسطيني اختزل بالمنقول ونسي غير المنقول. وان توثيف النكبة أيضا اقتصر على التراث المنقول. معتبرا أن المكان ينبغي أن يكون خزانا الذاكرة، إلا أنه تحول إلى حنين بدل أن يكون كذلك. ودعا الجعبي إلى توثيق المكان بطريقة منهجية، معتبرا أن إهمال هذا الجانب يؤدي إلى الاغتراب والغربة بين الإنسان والمكان. ولفت الجعبي إلى أن المؤسسة التي يديرها وثقت ألاف المباني التاريخية في الضفة الغربية وقطاع غزة. ودعا إلى تبني مشاريع للتوثيق والحفاظ على المكان.
وتحدث د. الياس عطا الله عن نكبة المناهج التدريسية في مداخلة بعنوان: من مناهج النكبة إلى نكبة المناهج. وأشار د. عطا الله في مداخلته إلى خطورة كون الفلسطينيين في الداخل لا يتعلمون وفقا لمناهج تعليم فلسطينية. وقال إن الصهيونية عملت وفق نظرية الجمع بين الأرض والسيادة واللغة، وعملت على صهر اليهود المهاجرين من 70 دولة وتحويلهم إلى أمة. وبالمقابل عملت على تدمير هذه العوامل لدى الشعب الفلسطيني. ولفت د. عطا الله إلى وضع اللغة العربية المتردي في مواقع الإنترنت العربية في الداخل، وفي المؤسسات الرسمية. ونوه إلى ما اعتبره فرية " اللغة العربية لغة رسمية"، وقال إن تطبيق هذا القانون في أي مكان ما بحاجة إلى التوجه إلى المحكمة العليا، في إشارة إلى استخفاف السلطات بتطبيق القانون وبقائه حبرا على ورق، وسعيها إلى جعل اللغة أداة للتعبير عن استسلام المقموع للقامع . وأشار د. عطا الله بالنقد إلى الكليات العربية التي لا تولي اللغة العربية الاهتمام الذي تستحقه معتبرا أنها تجني على اللغة أكثر من المؤسسات الرسمية.
وأجرى د. عطا الله مقارنة بين خطة تعليم اللغة العربية في جامعة عمان والجامعات الإسرائيلية، من حيث الساعات وروافد اللغة. ولفت إلى خطورة كون اللغة العربية ليست لغة رسمية حتى في أقسام تعليم اللغة العربية بالجامعات الإسرائيلية. واختتم د. عطا الله مداخلته بالتشديد على ضرورة الحفاظ على اللغة العربية التي اعتبرها آخر معاقل العرب.
وكانت المداخلة التالية للمحامي حسن جبارين مدير مركز عدالة، تحت عنوان حق العودة الفلسطيني وقانون العودة الإسرائيلي. وخلص جبارين في مداخلته إلى أن قانون العودة الإسرائيلي غير شرعي لأنه يمس بحق عودة الفلسطينيين إلى ديارهم وينفيه ويأتي على حساب هذا الحق. وإلى أنه لا يمكن الحديث عن مواطنة كاملة مع تغييب إسقاطات النكبة وعدم تحقيق حق عودة الفلسطينيين إلى ديارهم. وناقش جبارين مسألة حق تقرير المصير لليهود، مشيرا إلى أن حق تقرير المصير مع التسليم جدلا أن اليهود يتمتعون بصفة شعب يخضع لأعراف وقوانين دولية تحدد ما هو المسموح والممنوع في إطار تحقيق هذا الحق، بحيث يمنع أن يمس تطبيق هذا الحق بحقوق شعب أخر، الأمر الذي لا يتوفر في المعادلة اليهودية لأن حق تقرير المصير لليهود يمس بالآخرين، أي بالشعب الفلسطيني. ولفت جبارين إلى أن مسألة احتلال عام 1967 تعتبر خارج النقاش الديمقراطي الصهيوني ولا تدخل في حسابات المفكرين والباحثين اليهود لأنهم يعتبرونها حالة استثنائية ومؤقتة.
المحور الثالث: كيف نضع مقترحات للتعافي من النكبة..
أدار الجلسة المحامي محمد ميعاري وشارك فيها كل من د. أمنون راز، د. باسل غطاس، ود. أيمن اغبارية، وأمير مخول مدير "اتجاه"- اتحاد جمعيات أهلية.
أولى المداخلات كانت لـ د. باسل غطاس، بعنوان "التواصل الاقتصادي"، وتحدث عن ضرورة التواصل والتكامل الاقتصادي بين أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل وفي الضفة الغربية وقطاع غزة. ودعا د. غطاس إلى رفض واقع التجزئة والشرذمة. وإلى التنسيق وفتح الطرق أمام التعاون الاقتصادي بين أبناء الشعب الواحد محذرا في الوقت ذاته من سعي الجهات الإسرائيلية إلى استخدام هذا التعاون كآداة للتطبيع بين الاحتلال والواقع تحته. مؤكدا على ضرورة اختراق ما أسماه "حاجز جواز السفر"، وهو الحالة التفضيلية لفلسطينيي الداخل عن إخوتهم في الضفة الغربية وقطاع غزة والشتات.
ثم قدم د. أيمن اغبارية وهو أخصائي تربية وتعليم مداخلة بعنوان "التربية والتعليم كحقل ممانعة ثقافية. وقال د. اغبارية إن جهاز التربية والتعليم هو نواة لبلورة الوعي الفلسطيني. وينبغي أن ينتج ثقافة ممانعة ومعرفة مقاومة. ويضطلع بدور ريادي في عملية التغيير الاجتماعي والسياسي. وأضاف أنه من أجل أن نكون فلسطينيين ينبغي وضع استراتيجيه لإعادة امتلاك التربية والتعليم في مجتمعنا المدني وإعادة امتلاك خطابنا عن النكبة.
المداخلة التالية كانت لـ د. أمنون راز المحاضر من جامعة بئر السبع، بعنوان "كيف نقاوم". وتطرق راز بنظرة تحليلية إلى تعاطي الساسة الصهاينة مع النكبة معتبرا أن كل يهودي يجد نفسه عنصريا ما لم يحاول إخراج نفسه من تلك الدائرة. وأكد راز أنه لا يمكن إنكار النكبة، ودعا إلى ضرورة تعزيز الحركة الوطنية الفلسطينية والتأكيد على حق عودة اللاجئين ومطالبة إسرائيل بالاعتراف بمسؤوليتها عن النكبة. ويرى راز أن الحل هو في إطار الدولة الواحدة مع حق عودة اللاجئين الفلسطينيين. وقال إنه ينبغي مساعدة المضطهٍد من خلال التأكيد على وجود حيز لليهود في فلسطين على الأمد البعيد ووجود إمكانية للحياة المشتركة وفصل الدين عن الدولة . واعتبر راز أن قرار التقسيم عام 1947 هو قمة الكولنيالية وحذر من المفاوضات الجارية معتبرا أنها حالة مأزومة يمكن الخروج منها. ونبه راز إلى ضرورة التضامن مع غزة معتبرا أن ما يمارس ضدها هو استمرار للنكبة.
من جانبه قال أمير مخول، في مداخلة بعنوان "تجاوز التجزئة في الطريق نحو العودة" إن المؤشرات لإحياء الذكرى الستين للنكبة تعكس تطورات واعدة على مستوى الشعب الفلسطيني بالرغم من أنه في أسوأ فترة. وتميزت بحضور مكثف للشباب مما يشير إلا أننا لم نهزم في معركة النسيان والذاكرة بالرغم من المعطيات الصعبة. وأكد مخول على ضرورة بلورة استراتيجية للنهوض وتطوير العمل الفلسطيني بحيث يكون في محورها بناء الأمة مشيرا إلى أنه لن تكون معافاة تامة نم النكبة طالما إسرائيل قائمة كدولة. ويرى مخول أن الأفق لا يبشر بخير وأنه لا يوجد حلول في الأفق بل يوجد تعقيدات لذالك يجب العمل على بناء بنية سياسية وتنظيمية في إطار رؤية فلسطينية، وبناء أطر فلسطينية وتأكيد تعريف القضية الفلسطينية.
ويرى مخول أن تحييد البعد العربي للقضية الفلسطينية والمفاوضات الثنائية أضرت بالقضية الفلسطينية بشكل كبير. ودعا إلى التركيز على نزع الشرعية عن إسرائيل مشيرا إلى أن الصراع طويل.
السبت- ندوة للشباب بعنوان روايتنا أمانة ينقلها جيل إلى جيل..
أدار الندوة الصحفي إياد البرغوثي ود. حسن أبو سعد. واستمع المشاركون ومعظمهم طلاب جامعيون إلى روايات من عايشوا النكبة. وتحدث الأديب حنا أبو حنا عن معايشته لسقوط الناصرة وبعض القرى المجاورة. وأكد أن الناصرة لم يكن فيها قوات عربية قادرة على الدفاع عنها، إذ تواجدت فيها عدة مصفحات فقط ولم يكن بإمكانها أن تصد أي هجوم. وبعد سقوط صفورية القرية الأقوى في المنطقة ونزوح أعداد كبيرة من أهالي بيسان وطبريا الذين تم تهجيرهم من بلداتهم إلى الناصرة، سقطت الناصرة دون مقاومة تذكر.
من جانبها تحدثت السيدة أم سليم من مدينة اللد عن تهجير أهالي اللد والمجازر التي ارتكبها الصهاينة في المدينة بحق الأهل. وأكدت السيدة أم سليم أن اللد قاومت مقاومة باسلة إلا أن تفوق سلاح عصابات "الهاجاناه" كان حاسما في المعركة. وتحدثت أم سليم عن وقائع رأتها بأم عينها وعايشتها، وسردت أمام الطلاب تفاصيل بعض الجرائم التي ارتكبتها عصابات الهاجاناه في اللد، ومنها ارتكاب مجزرة جامع دهمش التي راح ضحيتها 97 شخصا. وتروي أم سليم حادثة أخرى قائلة: إن قوات الهاجاناه وخلال جمع الجثث أقدمت على قتل رضيع عمره ثمانية شهور كان يحاول أن يرضع من ثدي أمه الملقاة على الأرض والتي كانت قد قتلت بالرصاص قبل ساعات. ورغم أن أحد سكان البلدة توسل الجنود للإبقاء على الطفل وأن يسلموه إياه ليتبناه، حمل أحد الجنود الطفل بوحشية وأطلق عليه النار وألقاه إلى جانب جثة أمه.