حقيقة ما يجري في قطاع غزه
بسم الله الرحمن الرحيم
بقلم : أ . تحسين يحيى أبو عاصي
فلسطين
وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون . النحل 112
لا يتمثل دين الله بتنظيم أو حزب أو حركة ، ولا بأي شكل من أشكال الأجسام الإسلامية القائمة اليوم على مستوى العالم ، بحيث إذا حدث إخفاق أو خلل ما ، سرعان ما أن يلصق بهذا الدين الحنيف ، فالإسلام في جوهره وروحه هو إخلاص العبودية في كل شيء لله رب العالمين .
ولعل النظر في هذا الموضوع من زاوية اللعنة والغضب ، يدفع المخلصين من الناس إلى التوبة مع الله والرجوع إليه ، أكثر منها في حالة النظر إلى ما يحدث في غزة ، على أنه تمحيص وابتلاء واختبار وزلزلة ، فربما يدفعهم ذلك إلى الاتكال والتراخي ، ثم إن لكل ظاهرة دلائلها وعلاماتها ، فللعنة والغضب مؤشرات أعاذنا الله جميعا منها ، وللابتلاء والتمحيص مؤشرات أيضا وقانا الله منها .
ولا يفهم القارئ الكريم أنني أرسخ مفهوم اللعنة والغضب ، أو أنني أدعو الناس إلى التنفير من رحمته والعياذ بالله تعالى ، بل إنني أدعو وأؤكد على ضرورة عقد محكمة الضمير الذاتية ، والمثول أمامها معترفين بذنوبنا ومحاسبين أنفسنا ، مصداقا لقول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا )) منكسرين إلى مولانا ربنا الحق ، متضرعين إليه ، متجردين من كل حول وقوة من دون الله ، لا نتكل إلا عليه ، ولا نلتجيء إلا إليه ، ولا مفر ولا مهرب ولا ملجأ لنا من دونه إلا إليه ، هذا إن استشعرنا عظمة هذه المعاني في قلوبنا ؛ حتى يستقيم سلوكنا فتستقيم من بعده حركة الحياة ، ثم تنسجم مع ناموس الكون انسجام المسبحين العابدين الحامدين الشاكرين في ترتيب رباني مهيب وعجيب ، هذا لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .
ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون النور آية:41
في قطاع غزة يُصب العذاب على الناص صباً ، من فوق رؤوسهم ومن أمامهم ومن خلفهم ، وعن أيمانهم وشمائلهم ، ومن كل حدب وصوب ، وكأن الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ، ولا يظن أحد أنني هنا أبالغ أو أضخم الأمور ، فمن كانت يده في الماء ليست كمن كانت يده في النار ، ومن يتعرض للضرب ليس كالذي يعدّه ، وما على الذي يظن ذلك إلا أن يخرج على الأقل ويمشي في شوارع غزة ثم ينظر مدققا ومتأملا أحوال العباد والبلاد .
حصار من القريب والبعيد ومن العدو والصديق أطبق على كل شيء ، حتى قارورة الغاز التي كانت تأينا إلى بيوتنا وكنا نتدلل على الموزعين دلالاً ، صرنا محرومين منها إلا بصعوبة ، والموت ينشره العدو في كل مكان ، إضافة إلى الغلاء الفاحش والفقر الشديد ، وغياب فرص العمل ، وإغلاق المصانع ، والمشكلات الأسرية والمجتمعية والقبلية ، والنفاق الاجتماعي ، والكراهية منتشرة ، والغش واضح وحلف اليمين الكاذب ، واحتكار البضائع وبيعها استغلالا وظلما وعدوانا بأسعارها المضاعفة ، والتوجس والشك من الآخر، والرحمة كادت أن تتلاشي إلا من بعض مظاهرها الهامشية ، ومن ظلم في الميراث ومن خداع في التعامل مع الناس ، وقطع للرحم ، واعتداء على حق الجار وجفاء في العلاقات ، والواسطة المتفشية بكثرة ، وما أكثر الذين يقفون للصلاة في الصف الأول من المسجد ، ومساجدنا يؤمها عدد كبير من المصلين في الصلوات الخمس ، ومع ذلك كله فقد ضاقت الحياة بالناس وضاق الناس بالحياة ، حتى سمعت بأذني من العشرات دعوات اليأس ، فمنهم من يدعو ويطلب من ربه أن تقوم الساعة ، أو تغرق غزة في البحر، أو تدمر إسرائيل كل قطاع غزة ، أو يأتي زلزال فلا يبقي ولا يذر ، وأعتقد أن ذلك كثيرا ما نسمعه من الناس ، والذي لا يسمع مثل تلك الدعوات هو فقط الذي يتعامل مع الشريحة المنتفعة والمستفيدة من هذا الوضع ، ولا ينزل إلى الشارع ليتحسس مشاعر وآلام الناس .
نتلو كتاب ربنا آناء الليل وأطراف النهار ، ونجتهد في صيام وصلاة النافلة ، ونسينا روح المعاني من وراء قول الحق سبحانه : (( وافعلوا الخير لعلكم ترحمون )) ، الجار مخاصم لجاره ، والأخ مقاطع أخاه ، والرحم تشتكي إلى الله القطيعة ، فلا محبة ولا وئام ولا امن ولا أمان ، مع أننا نعرف أن الله يخاطبنا قائلا : (( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم)) . فصلت آية:34
ما الذي يمنع المرء أن يبتسم في وجه أخيه ؟ وكيف يكون مؤمنا وجاره لا يأمن بوائقه ، وهو يصلي الأوقات الخمس جماعة في المسجد ، أو كيف يكون مؤمنا وجاره جائعا ؟
زرت أسرة من الأسر التي تسترها الجدران فقط ، وسألت أحد أطفالها ماذا أكلتم اليوم ؟ فأجاب خبزا مفتوتا في الشاي ، قلت له وبالأمس فأجاب نفس الإجابة ثم سألت ثانيا وثالثا وكانت الإجابة نفسها ، ألوف من الأسر هكذا تعيش في قطاع غزة ، فكيف يبيت المؤمن وجارة جائعا يا طلاب النصر والتحرير ؟
جميع مناسباتنا الاجتماعية لا تتفق مع تعاليم ديننا – إلا من رحم ربي – ( وقليل ما هم ) أفراحنا نسينا الله فيها ، وأحزاننا وجنائزنا بعيدة عن تعاليم ديننا .
وما الذي يحجب المرء عن الكلمة الطيبة ؟ لقد سمعنا كثيرا عن دعوة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم لنا معلما ومرشدا ومربيا : أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وصلوا الأرحام ، وصلُّوا بالليل والناس نيام ، تدخلوا جنة ربكم بسلام .... وابتسامتك في وجه أخيك صدقة ، والكلمة الطيبة صدقة .
ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبه كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء . إبراهيم آية:24
ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار . إبراهيم آية:26
إنها الأخلاق والتي من خلالها يتم بناء النظم الاجتماعية والسياسية ، والاقتصادية والعسكرية والسياسة ، ومن خلالها ينطلق الدعاة في دعوتهم إلى الله عز وجل ، بعيدا كل البعد عن أي انتماء يكون لغير الله سبحانه ، وإلا أصاب انتماءه نوعا من أنواع الشرك في عدم إخلاص العبودية لله وحده سبحانه ، فمن اعتمد على عقله فقد ضل ، ومن اعتمد على ماله فقد قل ، ومن اعتمد على جاهه فقد ذل ، ومن اعتمد على الله وحده سبحانه لا شريك له ، فلا ضل ولا قل ولا ذل ، ومن توكل عليه حق التوكل فقد كفاه هم وشر كل شيء (( أليس الله بكاف عبده )) سبحانه .
ويدخل في ذلك من اعتمد على حزبه أو تنظيمه أو قبيلته أو علمه أو مهنته أو شيء من تلك الحجب التي تطفئ أنوار القلوب .
ألم يقل الحق سبحانه : ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا . النساء 141
عندما تتحقق شروط الإيمان فلا يمكن أن يجعل الله للكافرين علينا سبيلا ، وما دام الأمر كذلك ، فلنبدأ من الآن في البحث عن الخلل ، وفي تقييم سلوكنا لعل الله يرحمنا ، فيجعلنا أهلا لنصره الذي هو من عنده سبحانه ، ولنعلم أننا معْرضون على الله وأنه سائلنا عن الفتيل والقطمير .
لقد ربى الحبيب صلى الله عليه وسلم صحابته على أخلاق النبوة ونزلت بحقهم آيات نتلوها إلى يوم القيامة :
التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين . التوبة آية:112
إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون. الانفال آية:2
وانزل الحق لنا منهاجا ، وأمرنا بإتباعه حياة لنا ، وجعلنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك .
وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين . الصف آية:5
• عن أبي هريرة رضي الله عنه :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
لا تحاسدوا ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا ، المسلم اخو المسلم ، لا يظلمه ، ولا يخذله ، ولا يكذبه ، ولا يحقره _ التقوى ههنا _ويشير إلى صدره ثلاث مرات ، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام : دمه وماله وعرضه.
وقال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم :
• تراحموا ترحموا .
• والله لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه .
• ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ضننتُ أنه سيورِّثه .
• أعطِ الأجير أجره قبل أن يجفَّ عرقه .
• وينهى عن تكليف الخدم ما لا يطيقون أو يشق عليهم ، قال رسول الله
لا تُكلِّفوهم ما لا يطيقون ، وإذا كلَّفتموهم فأعينوهم .
• ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا .
• إن من إجلال الله إجلال ذات الشيبة المسلم .
مئات من القواعد السلوكية التي تحدد علاقتنا بكل العالم والوجود من حولنا ، علاقة أساسها الحب والمودة ، والتراحم والصدق ، والأمانة والإخلاص ، والكرم والوفاء ، ولا يزيغ عنها إلا هالك .
فإن تخلقنا بذلك تحقق بنا قوله سبحانه :
ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع اجر المحسنين . التوبة آية:120
عندئذ : (( انه من يتق ويصبر فان الله لا يضيع اجر المحسنين )) يوسف آية 90
وعندئذ : ((واصبر فان الله لا يضيع اجر المحسنين )) هود آية 115
هذه قوانين السماء التي يجعلنا الله من خلالها قادة للشعوب وسادة الأمم إن اتقينا ، أو أن يكون البديل هو أن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا .
فهل نحن في لعنة وغضب أعاذنا الله من ذلك كله أم في ابتلاء وقانا الله منه ؟
حسبنا الله وكفى ليس وراء الله مرمى ولا منتهى
مقووووول
بسم الله الرحمن الرحيم
بقلم : أ . تحسين يحيى أبو عاصي
فلسطين
وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون . النحل 112
لا يتمثل دين الله بتنظيم أو حزب أو حركة ، ولا بأي شكل من أشكال الأجسام الإسلامية القائمة اليوم على مستوى العالم ، بحيث إذا حدث إخفاق أو خلل ما ، سرعان ما أن يلصق بهذا الدين الحنيف ، فالإسلام في جوهره وروحه هو إخلاص العبودية في كل شيء لله رب العالمين .
ولعل النظر في هذا الموضوع من زاوية اللعنة والغضب ، يدفع المخلصين من الناس إلى التوبة مع الله والرجوع إليه ، أكثر منها في حالة النظر إلى ما يحدث في غزة ، على أنه تمحيص وابتلاء واختبار وزلزلة ، فربما يدفعهم ذلك إلى الاتكال والتراخي ، ثم إن لكل ظاهرة دلائلها وعلاماتها ، فللعنة والغضب مؤشرات أعاذنا الله جميعا منها ، وللابتلاء والتمحيص مؤشرات أيضا وقانا الله منها .
ولا يفهم القارئ الكريم أنني أرسخ مفهوم اللعنة والغضب ، أو أنني أدعو الناس إلى التنفير من رحمته والعياذ بالله تعالى ، بل إنني أدعو وأؤكد على ضرورة عقد محكمة الضمير الذاتية ، والمثول أمامها معترفين بذنوبنا ومحاسبين أنفسنا ، مصداقا لقول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا )) منكسرين إلى مولانا ربنا الحق ، متضرعين إليه ، متجردين من كل حول وقوة من دون الله ، لا نتكل إلا عليه ، ولا نلتجيء إلا إليه ، ولا مفر ولا مهرب ولا ملجأ لنا من دونه إلا إليه ، هذا إن استشعرنا عظمة هذه المعاني في قلوبنا ؛ حتى يستقيم سلوكنا فتستقيم من بعده حركة الحياة ، ثم تنسجم مع ناموس الكون انسجام المسبحين العابدين الحامدين الشاكرين في ترتيب رباني مهيب وعجيب ، هذا لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .
ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون النور آية:41
في قطاع غزة يُصب العذاب على الناص صباً ، من فوق رؤوسهم ومن أمامهم ومن خلفهم ، وعن أيمانهم وشمائلهم ، ومن كل حدب وصوب ، وكأن الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ، ولا يظن أحد أنني هنا أبالغ أو أضخم الأمور ، فمن كانت يده في الماء ليست كمن كانت يده في النار ، ومن يتعرض للضرب ليس كالذي يعدّه ، وما على الذي يظن ذلك إلا أن يخرج على الأقل ويمشي في شوارع غزة ثم ينظر مدققا ومتأملا أحوال العباد والبلاد .
حصار من القريب والبعيد ومن العدو والصديق أطبق على كل شيء ، حتى قارورة الغاز التي كانت تأينا إلى بيوتنا وكنا نتدلل على الموزعين دلالاً ، صرنا محرومين منها إلا بصعوبة ، والموت ينشره العدو في كل مكان ، إضافة إلى الغلاء الفاحش والفقر الشديد ، وغياب فرص العمل ، وإغلاق المصانع ، والمشكلات الأسرية والمجتمعية والقبلية ، والنفاق الاجتماعي ، والكراهية منتشرة ، والغش واضح وحلف اليمين الكاذب ، واحتكار البضائع وبيعها استغلالا وظلما وعدوانا بأسعارها المضاعفة ، والتوجس والشك من الآخر، والرحمة كادت أن تتلاشي إلا من بعض مظاهرها الهامشية ، ومن ظلم في الميراث ومن خداع في التعامل مع الناس ، وقطع للرحم ، واعتداء على حق الجار وجفاء في العلاقات ، والواسطة المتفشية بكثرة ، وما أكثر الذين يقفون للصلاة في الصف الأول من المسجد ، ومساجدنا يؤمها عدد كبير من المصلين في الصلوات الخمس ، ومع ذلك كله فقد ضاقت الحياة بالناس وضاق الناس بالحياة ، حتى سمعت بأذني من العشرات دعوات اليأس ، فمنهم من يدعو ويطلب من ربه أن تقوم الساعة ، أو تغرق غزة في البحر، أو تدمر إسرائيل كل قطاع غزة ، أو يأتي زلزال فلا يبقي ولا يذر ، وأعتقد أن ذلك كثيرا ما نسمعه من الناس ، والذي لا يسمع مثل تلك الدعوات هو فقط الذي يتعامل مع الشريحة المنتفعة والمستفيدة من هذا الوضع ، ولا ينزل إلى الشارع ليتحسس مشاعر وآلام الناس .
نتلو كتاب ربنا آناء الليل وأطراف النهار ، ونجتهد في صيام وصلاة النافلة ، ونسينا روح المعاني من وراء قول الحق سبحانه : (( وافعلوا الخير لعلكم ترحمون )) ، الجار مخاصم لجاره ، والأخ مقاطع أخاه ، والرحم تشتكي إلى الله القطيعة ، فلا محبة ولا وئام ولا امن ولا أمان ، مع أننا نعرف أن الله يخاطبنا قائلا : (( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم)) . فصلت آية:34
ما الذي يمنع المرء أن يبتسم في وجه أخيه ؟ وكيف يكون مؤمنا وجاره لا يأمن بوائقه ، وهو يصلي الأوقات الخمس جماعة في المسجد ، أو كيف يكون مؤمنا وجاره جائعا ؟
زرت أسرة من الأسر التي تسترها الجدران فقط ، وسألت أحد أطفالها ماذا أكلتم اليوم ؟ فأجاب خبزا مفتوتا في الشاي ، قلت له وبالأمس فأجاب نفس الإجابة ثم سألت ثانيا وثالثا وكانت الإجابة نفسها ، ألوف من الأسر هكذا تعيش في قطاع غزة ، فكيف يبيت المؤمن وجارة جائعا يا طلاب النصر والتحرير ؟
جميع مناسباتنا الاجتماعية لا تتفق مع تعاليم ديننا – إلا من رحم ربي – ( وقليل ما هم ) أفراحنا نسينا الله فيها ، وأحزاننا وجنائزنا بعيدة عن تعاليم ديننا .
وما الذي يحجب المرء عن الكلمة الطيبة ؟ لقد سمعنا كثيرا عن دعوة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم لنا معلما ومرشدا ومربيا : أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وصلوا الأرحام ، وصلُّوا بالليل والناس نيام ، تدخلوا جنة ربكم بسلام .... وابتسامتك في وجه أخيك صدقة ، والكلمة الطيبة صدقة .
ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبه كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء . إبراهيم آية:24
ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار . إبراهيم آية:26
إنها الأخلاق والتي من خلالها يتم بناء النظم الاجتماعية والسياسية ، والاقتصادية والعسكرية والسياسة ، ومن خلالها ينطلق الدعاة في دعوتهم إلى الله عز وجل ، بعيدا كل البعد عن أي انتماء يكون لغير الله سبحانه ، وإلا أصاب انتماءه نوعا من أنواع الشرك في عدم إخلاص العبودية لله وحده سبحانه ، فمن اعتمد على عقله فقد ضل ، ومن اعتمد على ماله فقد قل ، ومن اعتمد على جاهه فقد ذل ، ومن اعتمد على الله وحده سبحانه لا شريك له ، فلا ضل ولا قل ولا ذل ، ومن توكل عليه حق التوكل فقد كفاه هم وشر كل شيء (( أليس الله بكاف عبده )) سبحانه .
ويدخل في ذلك من اعتمد على حزبه أو تنظيمه أو قبيلته أو علمه أو مهنته أو شيء من تلك الحجب التي تطفئ أنوار القلوب .
ألم يقل الحق سبحانه : ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا . النساء 141
عندما تتحقق شروط الإيمان فلا يمكن أن يجعل الله للكافرين علينا سبيلا ، وما دام الأمر كذلك ، فلنبدأ من الآن في البحث عن الخلل ، وفي تقييم سلوكنا لعل الله يرحمنا ، فيجعلنا أهلا لنصره الذي هو من عنده سبحانه ، ولنعلم أننا معْرضون على الله وأنه سائلنا عن الفتيل والقطمير .
لقد ربى الحبيب صلى الله عليه وسلم صحابته على أخلاق النبوة ونزلت بحقهم آيات نتلوها إلى يوم القيامة :
التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين . التوبة آية:112
إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون. الانفال آية:2
وانزل الحق لنا منهاجا ، وأمرنا بإتباعه حياة لنا ، وجعلنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك .
وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين . الصف آية:5
• عن أبي هريرة رضي الله عنه :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
لا تحاسدوا ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا ، المسلم اخو المسلم ، لا يظلمه ، ولا يخذله ، ولا يكذبه ، ولا يحقره _ التقوى ههنا _ويشير إلى صدره ثلاث مرات ، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام : دمه وماله وعرضه.
وقال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم :
• تراحموا ترحموا .
• والله لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه .
• ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ضننتُ أنه سيورِّثه .
• أعطِ الأجير أجره قبل أن يجفَّ عرقه .
• وينهى عن تكليف الخدم ما لا يطيقون أو يشق عليهم ، قال رسول الله
لا تُكلِّفوهم ما لا يطيقون ، وإذا كلَّفتموهم فأعينوهم .
• ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا .
• إن من إجلال الله إجلال ذات الشيبة المسلم .
مئات من القواعد السلوكية التي تحدد علاقتنا بكل العالم والوجود من حولنا ، علاقة أساسها الحب والمودة ، والتراحم والصدق ، والأمانة والإخلاص ، والكرم والوفاء ، ولا يزيغ عنها إلا هالك .
فإن تخلقنا بذلك تحقق بنا قوله سبحانه :
ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع اجر المحسنين . التوبة آية:120
عندئذ : (( انه من يتق ويصبر فان الله لا يضيع اجر المحسنين )) يوسف آية 90
وعندئذ : ((واصبر فان الله لا يضيع اجر المحسنين )) هود آية 115
هذه قوانين السماء التي يجعلنا الله من خلالها قادة للشعوب وسادة الأمم إن اتقينا ، أو أن يكون البديل هو أن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا .
فهل نحن في لعنة وغضب أعاذنا الله من ذلك كله أم في ابتلاء وقانا الله منه ؟
حسبنا الله وكفى ليس وراء الله مرمى ولا منتهى
مقووووول