لــــــــيس كل الذكور رجـــــــــــالا
ليست لا إهانة و لا تقليل قدر . . لكن هذا هو الواقع المر الذي نعيشه
فصفة الذكورة حاضرة و بقوة . . لكن الرجولة نادرة جدا , إن لم تكن ...
لذى فموضوعي لا يهدف لإستفزاز أي كان بل العكس تماما , أي توضيح معنى هذه الكلمة (( رجل )) التي يسهل النطق بها , لكن ما أصعب التقيد بصحة معناها و التحلي بشروطها , توضيحها لكل الأعضاء و عليهم أن يعووا جيدا أنه ليس بالضرورة كل ذكر رجلا ...
نعم , ليس كل الذكور رجالاً ، و لا كل المؤمنين رجالاً ، و لا كل أصحاب العضلات المفتولة أو الشوارب المبرومة أو اللحى المسدولة أو العمائم الملفوفة أو النياشين البراقة أو الألقاب الرنانة رجالا ً, و لا أولئك اللذين يبدعون في التباهي بالمظاهر و بالتقليد الأعمى للغربيين في شتى مجالات الحياة , بإعتبار ذلك تقدما و إزدهارا و قد مس ذلك شخصياتهم بشكل ملحوظ .. فالرجولة ثابتة و صالحة لكل زمان و مكان .. و لا تتقيد بهذه المتغيرات بل تستغل منها الجانب الإيجابي فقط .
و بالرغم من كثرة المسلمين في هذا الزمان العجيب و اقتراب أعدادهم من المليار و نصف ، إلا أنني أجزم أن أكبر أزمة تعانيها الأمة الآن - بعد أزمة الإيمان - هي أزمة - رجولة - و قلة الرجال الحقيقيون .
و المتأمل في القرآن الكريم يكتشف أن الرجولة وصف لم يمنحه الحق تبارك وتعالى إلى كل الذكور ، و لم يخص به إلا نوعًا معينًا من المؤمنين ، لقد منحه لمن صدق منهم العهد معه ، فلم يغير و لم يبدل، ولم يهادن ، ولم يداهن ، و لم ينافق ، و لم يتنازل عن دينه و مبادئه لأي سبب كان ، و لمن قدم روحه شهيدًا في سبيل الله ، أو عاش حياته في سبيله مستعدًا ومنتظرًا أن يبيعها له في كل وقت ، نفهم هذا من قول الله عز وجل: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب]، فقد بين سبحانه صفات الرجولة بعد أن أكد أنه من المؤمنين رجال و ليس كل المؤمنين رجالاً.
فالرجولة وقوف في وجه الباطل، و صدع بكلمة الحق ، و دعوة مخلصة إلى الله بالحكمة و الموعظة الحسنة ، و إستعلاء على الكافرين ، و شدة على المنحرفين و أصحاب الأهواء ، و إبتعاد عن نفاق و تملق ومداهنة السلاطين و أصحاب النفوذ ، و مواجهة للظلم و الظالمين مهما عظم سلطانهم و مهما كلف تحديهم ، و إستعداد للتضحية بالغالي و النفيس و الجهد و المال و المنصب و النفس من أجل نصرة الحق و إزالة المنكر و تغييره.
يفهم هذا من موقف مؤمن آل فرعون الذي كان يكتم إيمانه، لكنه لم يستطع السكوت عندما علم بعزم فرعون على قتل نبي الله موسى - عليه السلام -،وقرر الوقوف في وجه الظلم، ومناصرة الحق، ولم يخش على حياته التي توقع أن يدفعها ثمنًا لموقفه، ولم يخش على منصبه الكبير عند فرعون، فنهاه عن قتل موسى - عليه السلام - وحاول إقناعه بأن ذلك ليس من الحكمة والمصلحة، ولم يكتف بذلك، بل توجه إلى موسى وأخبره بما يخطط له فرعون وزبانيته، ونصحه بالخروج من مصر، وقد استحق هذا المؤمن وصف الله له بالرجولة فقال سبحانه: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} [غافر
فالرجولة ثبات على الحق ، و محافظة على العبودية لله ، و صمود أمام مغريات الدنيا ( لسوء الحظ هذا ما يفتقده معظم شباب المسلمين في وقتنا الحالي ) ، يفهم هذا من وصفه سبحانه و تعالى لهذا النوع من المؤمنين بالرجولة في قوله عز وجل: {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ} [النور].
قال عنترة بن شداد : لا تسقــني ماء الحيــاة بــذلة بل فاسقني بالعز كأس الحنظل
كما شجع النبي - صلى الله عليه وسلم - المسلمين أن يكونوا رجالاً يقفون في وجه الحكام الظالمين ، وعد من يقف في وجههم فيقتلونه رجلاً وسيدًا للشهداء ، حيث قال: 'سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ، و رجل قام إلى إمام جائر فأمره و نهاه فقتله'. [أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه]، كما شخص عليه الصلاة و السلام حال أمتنا اليوم في حديثه الذي يقول فيه: 'يوشك الأمم أن تداعى عليكم من كل أفق ، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ، فقال قائل: و من قلة نحن يومئذ ، قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور أعدائكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال حب الدنيا وكراهية الموت'.
فالرجولة تتطلب العديد من الأمور و ليست مجرد لقب , فمن تجده متمسكا بمواقفه و واثقا في نفسه زيادة إلى أن عقيدته سليمة , هذا لن يرتكب الهفوات الصبيانية و لا الأخطاء الغير مغتفرة و تجده عضوا فعالا في مجتمعه ( يفيد و يستفيد ) و في المواقف الصعبة و المشاكل المعقدة تجده يحسن التعامل معها و يخرج منها بفضل الصفات التي سبق ذكرها عنه , أما من غابت عليه هذه الصفات فليسمحلي كثيرا لأنه غير مصنف ضمن قائمة الرجال .
أخيرًا أجد لزامًا على كل مسلم في هذه الأمة أن يسأل نفسه عددًا من الأسئلة :
1 ) هل صدقت ما عاهدت الله عليه و لم أغير و لم أبدل ؟
2 ) هل أتمنى الشهادة في سبيل الله بصدق و أسعى إليها ؟
3 ) هل أملك الجرأة على قول الحق مهما كانت النتائج ؟
4 ) هل أتحرك لإزالة المنكر و تغييره مهما كلفني ذلك من جهد و ثمن ؟
5 ) هل أبذل ما في و سعي لتغيير حال الأمة السيئ ؟
6 ) هل أصمد و أثبت أمام شهوات الدنيا و مغرياتها و أظل أحافظ على عبادتي و علاقتي بالله ؟
7 ) هل أغار على عرضي و محارمي و من أعول بمنعهم من التبرج و الإنحراف ؟
8 ) هل أرفض النفاق و المداهنة و التقرب من السلاطين و أصحاب النفوذ على حساب ديني و مبادئي ؟
9 ) هل أنحاز إلى أهل الحق الذين يجاهدون أعداء الأمة ؟
10 ) هل أستحق لقب (( رجل )) أم لا ... بكل صراحة ؟
فإن كانت إجاباته: نعم , فليحمد الله ، و ليعلم أنه رجل في الزمان الذي قل فيه الرجال ، أما إن كانت إجاباته: لا , فليراجع نفسه ، و ليعد حساباته ، ليكون رجلاً و ليس مجرد ذكر ، فما أحوج أمتنا اليوم إلى المؤمنين الرجال .
في الختام و بالنظر لعنوان موضوعي يستوجب علي الإقرار بأن هذه الموضوع مزيج بين أفكار شخصية و بين أخرى منقولة
أرجو أن ينال إعجاب و إستحسان الجميع
تحياتي الخالصة للجميع
أخوكم في الله (( سالم ))